الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
والماجشوني، وهو أبو سلمة يوسف بن يعقوب بن عبدالله بن أبي سلمة المدني: بهمزة واحدة مفتوحة؛ والحسن: بهاء مكسورة؛ وأبو عمرو في رواية، وزر أيضًا: بمدة قبل الهمزة المفتوحة، استثقل اجتماعهما ففضل بينهما بألف.وقرأ أبو جعفر أيضًا، والحسن أيضًا، وقتادة، وعيس الهمداني، والأعمش: {أين} بهمزة مفتوحة وياء ساكنة، وفتح النون ظرف مكان.وروي هذا عن عيسى الثقفي أيضًا.فالقراءة الأولى على معنى: إن ذكرتم تتطيرون، بجعل المحذوف مصب الاستفهام، على مذهب سيبويه، بجعله للشرط، على مذهب يونس؛ فإن قدرته مضارعًا كان مجزومًا.والقراءة الثانية على معنى: ألان ذكرتم تطيرتم، فإن مفعول من أجله، وكذلك الهمزة الواحدة المفتوحة والتي بمدة قبل الهمزة المفتوحة؛ وقراءة الهمزة المكسورة وحدها، فحرف شرط بمعنى الإخبار، أي إن ذكرتم تطيرتم.والقراءة الثانية الأخيرة أين فيها ظرف أداة الشرط، حذف جزاؤه للدلالة عليه وتقديره: أين ذكرتم صحبكم طائركم، ويدل عليه قوله: {طائركم معكم}.ومن جوز تقديم الجزاء على الشرط، وهم الكوفيون وأبو زيد والمبرد، يجوز أن يكون الجواب {طائركم معكم} وكان أصله: أين ذكرتم فطائركم معكم، فاما قدم حذفت الفاء.وقرأ الجمهور: {ذكرتم} بتشديد الكاف؛ وأبو جعفر، وخالد بن الياس، وطلحة، والحسن، وقتادة.وأبو حيوة، والأعمش من طريق زائدة، والأصمعي عن نافع: بتخفيفها.{بل أنتم قوم مسرفون} مجاوزون الحد في ضلالكم، فمن ثم أتاكم الشؤم.{وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى} اسمه حبيب، قاله ابن عباس وأبو مجلز وكعب الأحبار ومجاهد ومقاتل.قيل: وهو ابن إسرائيل، وكان قصارًا، وقيل: إسكافًا، وقيل: كان ينحت الأصنام، ويمكن أن يكون جامعًا لهذه الصنائع.و{من أقصى المدينة} أي من أبعد مواضعها.فقيل: كان في خارج المدينة يعاني زرعًا له.وقيل: كان في غار يعبد ربه.وقيل: كان مجذومًا، فميزله أقصى باب من أبوابها، عبد الأصنام سبعين سنة يدعوهم لكشف ضره.فلما دعاه للرسل إلى عبادة الله قال: هل من آية؟ قالوا: نعم، ندعو ربنا القادر يفرج عنك ما بك، فقال: إن هذا لعجيب! لي سبعون سنة أدعو هذه الآلهة فلم تستطع، يفرجه ربكم في غداة واحدة؟ قالوا: نعم، ربنا على ما يشاء قدير، وهذه لا تنفع شيئًا ولا تضر، فآمن.ودعوا ربهم، فكشف الله ما به، كأن لم يكن به بأس.فأقبل على التكسب، فإذا مشى، تصدق بكسبه، نصف لعياله، ونصف يطعمه.فلما هم قومه بقتل الرسل جاءهم فقال: {يا قوم اتبعوا المرسلين}.وحبيب هذا ممن آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبينهما ستمائة سنة، كما آمن به تبع الأكبر، وورقة بن نوفل وغيرهما، ولم يؤمن بني غيره أحد إلا بعد ظهوره.وقال ابن أبي ليلى: سباق الأمم ثلاثة، لم يكفروا قط طرفة عين: على بن أبي طالب، وصاحب يس، ومؤمن آل فرعون.وأورد الزمخشري قول ابن أبي ليلى حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقدم قبل من حاله أنه كان مجذومًا، عبد الأصنام سبعين سنة، فالله أعلم.وهنا تقدم: {من أقصى المدينة} وفي القصص تأخر، وهو من التفنن في البلاغة.{رجل يسعى} يمشي على قدميه.{قال يا قوم اتبعوا المرسلين}.الظاهر أنه لا يقول ذلك بعد تقدم إيمانه، كما سبق في قصة.وقيل: جاء عيسى وسمع قولهم وفهمه فيما فهمه.روي أنه تعقب أمرهم وسبره بأن قال لهم: أتطلبون أجرًا على دعوتكم هذه؟ قالوا: لا، فدعا عند ذلك قومه إلى اتباعهم والإيمان بهم، واحتج عليهم بقوله: {اتبعوا من لايسألكم أجرًا وهم مهتدون} أي وهم هدى من الله.أمرهم أولًا باتباع المرسلين، أي هم رسل الله إليكم فاتبعوهم، ثم أمرهم ثانيًا بجمله جامعة في الترغيب، في كونهم لا ينقص منهم من حطام دنيانهم شيء، وفي كونهم يهتدون بهداهم، فيشتملون على خيري الدنيا والآخرة.وقد أجاز بعض النحويين في {من} أن تكون بدلًا من {المرسلين} ظهر فيه العامل كما ظهر إذا كان حرف جر، كقوله تعالى: {لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم} والجمهور: لا يعربون ما صرح فيه بالعامل الرافع والناصب، بدلًا، بل يجعلون ذلك مخصوصًا بحرف الجر.وإذا كان الرافع والناصب، سموا ذلك بالتتبيع لا بالبدل.وفي قوله: {اتبعوا من لا يسألكم أجرًا} دليل على نقص من يأخذ أجرًا على شيء من أفعال الشرع التي هي لازمة له، كالصلاة.ولما أمرهم باتباع المرسلين، أخذ يبدي الدليل في اتباعهم وعبادة الله، فأبرزه في صورة نصحه لنفسه، وهو يريد نصحهم ليتلطف بهم ويراد بهم؛ ولأنه أدخل في إمحاض النصح حيث لا يريد لهم إلا ما يريد لنفسه، فوضح قوله: {ومالي لا أعبد الذين فطرني} موضع: وما لكم لا تعبدون الذي فطركم؟ ولذلك قال: {وإليه ترجعون} ولولا أنه قصد ذلك لقال: وإليه أرجع.
|